الكبر حلقة من حلقات التاريخ، وجزء لا يتجزأ من وجود كل مجتمع أو جيل أو إنسان في الغالب. وتقدم السن امتداد لتاريخ طويل، أمضى فيه الإنسان حياة، ربما يكون ملؤها المخاطر والتضحيات، والتعرض لمختلف ألوان الفاقة والحاجة، أو الانتكاسة أو المحنة، أو فتنة الغنى والثراء، أو الوقوع فريسة المرض أو العجز أو التعرض لحادث من الحوادث.
والتضحية وإن كانت أحياناً لبناء الذات والمستقبل الشخصي، فإنها غالباً من أجل تربية الأولاد وإعالتهم، والحفاظ على وجودهم، أو تمكينهم من التعلم والاحتراف أو الاتجار، أو التزوج أو غير ذلك من الأسباب.
فليس من الوفاء لهذا الجيل المتقدم أو كبار السن أن يُهمَلوا أو يتركوا فريسة الضعف أو العجز أو المرض أو الحاجة، ويجب رعايتهم والعناية بهم، عملاً بمبادئ ديننا الحنيف، ورسالته الغراء التي تجعل الأسرة متضامنة متآزرة على السراء والضراء، ويعدّ وجود الكبار في المنزل امتيازاً وبركة ووقاراً، والشيخوخة مصدر استقرار، وجمع الشمل ولم الأولاد، وتحقيق الوئام والمحبة والود بين أفراد الأسرة كلها، رجالاً ونساءً، كباراً وصغاراً.
ويحظى الكبار في مجتمعنا الإسلامي غالباً بمزيد التقدير والرعاية والاحترام، بل إنهم في موضع الصدارة والقيادة، يأتمر الكل بأمرهم، ويَحذَر الجميع مخالفتهم، ويدرك هذا كل مَن قارن وسط الأسرة الإسلامية مع غيرها من الأوساط الغربية والشرقية، حيث تجد كبار السن المسلمين سعداء، وغير المسلمين أشقياء، يعيشون في وحدة وغربة ووحشة، وفعلاً لاحظ بعض الصحفيين هذا الفارق في البلاد التي استقلت عن الاتحاد السوفيتي في بداية التسعينات (1990م). لكن مع ظهور حركة المتغيرات الاجتماعية التي تشهدها الحياة المعاصرة في مختلف المجالات، توجد بعض مظاهر الجوانب السلبية في محيط الأسرة وبيئة المجتمع، التي تمس بعض المفاهيم والقيم المتعارف عليها، وتؤثر على السلوك والعلاقات الاجتماعية التي كانت سائدة حتى وقت قريب. وأدى وجود هذه المظاهر السلبية إلى نشوء حالات مؤسفة من عدم المبالاة والاكتراث، وإهمال بعض كبار السن، والزجّ بهم في مأوى مستشفيات العجزة، تهرباً من خدمتهم، والاعتذار بأن زوجة الولد تأبى خدمة والد الزوج أو والدته، فيضطر الولد الكبير أو الأولاد الكبار إلى التخلي عن واجب العناية بآبائهم وأمهاتهم أو أقاربهم الآخرين.
ويقتضي توظيف الاحتفال بالسنة الدولية (عام 1999م) لكبار السن والتي دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة للاحتفال بها، تحت شعار (نحو مجتمع لكل الأعمار) إبراز مبادئ الشريعة السمحاء في التكافل الاجتماعي، والانطلاق من آدابها ومطلقاتها في البر والوفاء والتبجيل، للحفاظ على البناء المتماسك للأسرة الإسلامية، واحتضان خصال الرحمة والود والاعتراف بالجميل، والعمل على إسهام المكتب التنفيذي لمجلس الجامعة، واللجنة الوطنية للمسنين، والجامعات، مع وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في كل دولة، في فت مراكز رعاية المسنين صحياً واجتماعياً، وإيجاد ورشات عمل تدريبية في مجال التخطيط الاجتماعي لكبار السن، ولرصد وتلبية احتياجات كبار السن النفسية والاجتماعية والاقتصادية والصحية والترويحية، وتنمية قدراتهم وخبراتهم ومهاراتهم الإنتاجية في مجالات عمال مناسبة، وتصميم البرامج والمشروعات التي توفر لهم أوضاعاً حياتية وحقوقية وإنسانية أفضل، تضاعف من قدراتهم على المشاركة، والإسهام بخبراتهم ومؤهلاتهم في مسيرة البناء، بما يساعد على شغل فراغهم وتسليتهم، بدلاً من قضاء الوقت في النوم والراحة الطويلة المدة، وكأنهم ينتظرون الموت كل ساعة، ويتفرج من حولهم عليهم، للوصول إلى هذه الغاية.
كما أن في إيجاد مثل هذه المشاريع ضماناً لاستقلالهم، وتجسيداً لتطلعاتهم، وصوناً لكرامتهم وعدم إهدار نسانيتهم....اشترك لكي ترى نص الموضوع بالكامل