بسم الله الرحمن الرحيم
فإن من الإيمان بالله الإيمان بأن الله هو المدبر لهذا العالم علويه وسفليه، وأنه لا يكون في السماء ولا في الأرض من حركة ولا سكون إلا بمشيئته سبحانه وحكمته وتدبيره، فبمشيئته تدور الأفلاك وتجري النجوم والشمس والقمر، وهو الذي يرسل الرياح ويصرفها ويقلب الليل والنهار، إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار، وهو الذي يرسل بالآيات الكونية تخويفا لعباده وعقوبة لأعدائه ( وما نرسل بالآيات إلا تخويفا) وقد قص الله علينا في كتابه ما ابتلى به الأمم الماضية من أنواع المصائب والكوارث، وبين أسباب ذلك وحكمته في ذلك فقال تعالى: (ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون) ، (فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين ) .
وقال في بني إسرائيل: ( و بلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون) وأخبر أنه أخذ المكذبين بذنوبهم فأنزل بهم أنواع العقوبات ( فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون)
وبعد؛ فسنة الله ماضية بإرسال الآيات تذكيرا وتحذيرا ليتوب العباد إليه ويتضرعوا ( ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون) وقال تعالى: ( أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون) وقال تعالى
قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنة الأولين)وقال تعالى: ( استكبارا في الأرض ومكر السيئ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله فهل ينظرون إلا سنة الأولين فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا) فيجب على العباد أن يؤمنوا بأن ما يحدث من الأعاصير والفيضانات والزلازل المدمرة والأوبئة المهلكة إنما تحدث بمشيئة الله وحكمته وإن كان لها أسباب طبيعية يعرفها الناس، فالله خلق الأسباب والمسبَّبات، ومن الجهل العظيم والضلال المبين الوقوف عند الأسباب، والغفلة عمن خلقها وقدرها ودبرها، ولا يقدر على دفعها غيره سبحانه وتعالى.
ومن المؤسف أن أكثر من يتحدث من المسلمين عما يحدث من الكوارث يقصر حديثه على أسبابها الطبيعة وآثارها، ولا يذكر ما وراء ذلك من تدبير الله ومشيئته وحكمته ولا يُذكِّر بما يجب على العباد من التذكر والرجوع إلى الله والضراعة إليه سبحانه بدفع مايخشونه وكشف ما نزل بهم .
هذا؛ وإن من آيات الله التي يخوف بها عباده في هذا الأيام ماوقع ـ ولا يزال ـ من الهزات الأرضية المتزايدة في مركز العيص وما جاوره شمال المدينة النبوية، مما أدى إلى ترحيل السكان إلى مناطق بعيدة؛ لأن هذه الهزات المتتابعة منذ شهر تنذر بخطر كبير، فيجب على الجميع حكومة وشعبا أن يأخذوا بأسباب الوقاية الشرعية والمادية وأن يتذكروا قوله تعالى: (وما أصابكم من مصيبة فبما **بت أيديكم ويعفو عن كثير) وأن يحذروا من حال من قال الله فيهم: ( أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون) وأعظم الأسباب الشرعية: التوبةُ والاستغفارُ ودعاؤه سبحانه وتعالى بأن يرحم عباده ويصرف عنهم ما يكرهون، كما قال صلى الله في شأن ال**وف: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا وصلوا وتصدقوا" متفق عليه، وفي لفظ لهما: " إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِمَا عِبَادَهُ"
وثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه صلى في زلزلة ست ركعات وأربع سجدات، وقال: "هكذا صلاة الآيات" رواه البيهقي وغيره، لذلك ندعو سكان العيص ـ حفظهم الله ـ وما جاورها أن يقيموا صلاة الزلزلة كما فعل ابن عباس، وهي ركعتان بأربع ركوعات أو ست ركوعات وأربع سجدات، فإنها كصلاة ال**وف، ولهذا قال ابن عباس، هكذا صلاة الآيات.
نسأل الله لطفه وعفوه ورحمته وغفرانه، إنه هو العفو الغفور، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.